في تطور مذهل يعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية بالمنطقة، تشهد مصر طفرة نفطية غير مسبوقة تضعها على عتبة التحول لأحد أكبر منتجي الطاقة عالمياً. الاكتشافات الأخيرة بالصحراء الغربية والبحر المتوسط تفتح آفاقاً جديدة للاقتصاد المصري، مع توقعات بأن تصبح مصر منافساً قوياً للسعودية التي تملك ثاني أكبر احتياطي نفطي عالمياً بنحو 267 مليار برميل.
طفرة الاكتشافات النفطية
البداية كانت مع شركة تاج أويل الكندية (TAG Oil) التي حققت اكتشافاً مبهراً في حقل بدر النفطي بالصحراء الغربية. البئر “تي 100” في خزان أبورواش أظهر نتائج واعدة للغاية، حيث واجه الحفر الأفقي لبئر “تي 100” ونحو 300 متر في القسم الجانبي المخطط له بطول ألف متر، كميات جيدة من النفط. الشركة الكندية تخطط لحفر ما بين 18 و20 بئرًا تكتمل بعملية معالجة التكسير متعددة المراحل، مع احتمالية توسيع الخطة لأكثر من 40 بئراً.
رسميا اكتشاف أكبر بئر نفطي في العالم في هذه الدولة الفقيرة
الأرقام تتحدث عن نفسها – حقل بدر وحده يحتوي على احتياطيات محتملة تصل إلى 531.5 مليون برميل، وهو رقم يضاهي بعض أكبر الحقول الأمريكية. هذا الاكتشاف يمثل نقطة تحول حقيقية، خاصة مع استخدام أحدث تقنيات التكسير الهيدروليكي المتطورة.
2025: عام الانطلاقة الكبرى للنفط المصري
العام الحالي شهد بداية مبشرة، حيث شهدت اكتشافات نفط وغاز في مصر زخمًا متزايدًا مع بداية 2025؛ إذ كشفت الحكومة، منذ بداية العام الجاري، عن 3 حقول جديدة. أبرزها كان اكتشاف حقل جديد أطلق عليه اسم “الفيوم 5” أثناء عمليات الحفر في منطقة حقل كينج مريوط بالبحر المتوسط، والذي يحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز.
الاكتشاف الأكثر إثارة جاء من شركة إكسون موبيل العملاقة مع بئر نفرتاري-1 في منطقة شمال مراقيا، غرب البحر الأبيض المتوسط، والذي وُصف بأنه الأهم عالمياً في يناير 2025. هذه المنطقة لم يسبق العمل فيها من قبل، مما يفتح آفاقاً جديدة تماماً للاستكشاف.
الأرقام تتحدث: مصر تقود الاكتشافات العالمية
في تطور لافت، قادت اكتشافات الغاز في مصر الزخم العالمي خلال يناير/كانون الثاني 2025، مع استحواذ أفريقيا على 48% من الأحجام المكتشفة عالمياً، معظمها في مصر. هذا يضع مصر في مقدمة الدول المكتشفة للنفط والغاز على مستوى العالم، متفوقة على كثير من الدول النفطية التقليدية.
خلال العام المالي 2023/2024، حققت شركة إيجاس خمس اكتشافات أضافت احتياطيات قدرها 3ر1 تريليون قدم مكعب غاز و 30 مليون برميل زيت ومتكثفات. هذه الأرقام تمثل إضافة هائلة لاحتياطيات مصر التي تبلغ حالياً 3.3 مليار برميل من النفط، مع إمكانية مضاعفتها عدة مرات مع الاكتشافات الجديدة.
استثمارات ضخمة تصب في القطاع النفطي المصري
الثقة الدولية في القطاع النفطي المصري تتجلى في حجم الاستثمارات الهائلة. تم توقيع 11 اتفاقية جديدة مع الشركات العالمية للبحث والاستكشاف والانتاج للغاز الطبيعى بإجمالى استثمارات يبلغ حدها الأدنى 925 مليون دولار. شركة إيني الإيطالية وحدها تعتزم ضخ أكثر من 8 مليارات يورو خلال 4 سنوات.
الحكومة المصرية من جانبها تدعم هذا التوجه بقوة. رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أكد أن مصر تخطط لإعادة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته الطبيعية اعتبارا من عام 2025 بالتعاون مع شركاء أجانب. هذا التفاؤل مبني على أسس صلبة، خاصة مع نجاح الحكومة في سداد مستحقات الشركات الأجنبية وتحفيزها على زيادة الاستثمارات.
السعودية تملك حالياً 15 في المائة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم بنحو 267 مليار برميل، وتنتج حوالي 12 مليون برميل يومياً. مصر بدورها تسير بخطى ثابتة نحو زيادة احتياطياتها وإنتاجها. الخبراء يتوقعون أنه مع استمرار وتيرة الاكتشافات الحالية، قد تصل احتياطيات مصر إلى أرقام فلكية خلال السنوات القادمة.
ما يميز الوضع المصري هو التنوع الجغرافي للاكتشافات – من الصحراء الغربية إلى البحر المتوسط إلى خليج السويس. هذا التنوع يقلل المخاطر ويزيد من فرص الاكتشافات الضخمة. كما أن استخدام أحدث التقنيات مثل التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي يفتح آفاقاً لم تكن متاحة سابقاً.
التحديات والفرص: الطريق نحو القمة
رغم التفاؤل الكبير، تواجه مصر تحديات في رحلتها لتصبح قوة نفطية عظمى. البنية التحتية تحتاج لاستثمارات ضخمة، والإنتاج الحالي ما زال يحتاج للنمو بشكل كبير لتلبية الطلب المحلي أولاً قبل التفكير في التصدير الكبير. لكن الإرادة السياسية واضحة، والدعم الحكومي قوي، والاستثمارات الأجنبية متدفقة.
“مصر هتبقى غول نفطي قريب” – هذه ليست مجرد أمنيات، بل توقعات مبنية على أرقام وحقائق. مع كل بئر جديدة تُحفر، ومع كل اكتشاف يُعلن عنه، تقترب مصر خطوة من تحقيق حلمها في أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، وربما أكثر من ذلك بكثير.
السنوات القادمة ستكون حاسمة. إذا استمرت وتيرة الاكتشافات الحالية، وإذا نجحت مصر في جذب المزيد من الاستثمارات وتطوير بنيتها التحتية، فإن الحديث عن تفوقها على السعودية وأمريكا قد لا يكون مجرد حلم، بل واقعاً ملموساً. الخير القادم لمصر من باطن الأرض قد يغير وجه المنطقة بأكملها، ويعيد لمصر مكانتها التاريخية كقوة اقتصادية عظمى.